الضجيج الحضري- إلى أين المفر من صخب الحياة الحديثة؟
المؤلف: عبده خال08.23.2025

إن التدفق الهائل والمتواصل للمعلومات والأخبار يصيب المرء بالارتباك الشديد، ويزعزع توازنه النفسي والفكري، ومحاولة توجيه شخص مضطرب وغير متزن لن تحقق النتائج المرجوة.
في الماضي، إبان الثورة الصناعية، أحسّ الناس بتلك التغيرات الجذرية التي غزت الحياة الهادئة والبسيطة. اقترح علماء النفس والاجتماع الابتعاد عن مؤثرات تلك الثورة، وتبنى الأدباء والفنانون فكرة العودة إلى القرية كجزء من الهوية والانتماء إلى بيئة تحافظ على الصحة النفسية، وتعيد للإنسان طبيعته العفوية، وتنشر السكينة والطمأنينة في داخله الذي أزعجته مظاهر المدينة الصاخبة والصادمة في آن واحد.. كانت الدعوة إلى العودة إلى القرية اتجاهاً سائداً، وظلت القرى والأرياف الأوروبية، لسنوات طويلة، ملاذاً آمناً للباحثين عن الهدوء والاسترخاء، وتمسكت بعض القرى ببساطة أهلها بعيداً عن منتجات المدينة التي تجلب معها الإرهاق النفسي، وتزيد من وتيرة الحياة المتسارعة نحو تحقيق المتطلبات الأساسية التي تحولت بدورها إلى ضروريات ملحة.
ولكن الآن، في ظل صخب الحياة المعاصرة، هل لا يزال من المجدي إحياء الدعوة إلى العودة إلى القرية؟
إن مجرد طرح هذا السؤال يكشف عن تناقض جوهري، إذ لم تعد هناك قرية بالمعنى التقليدي، فقد غزت المدينة كل القرى، وجلبت معها كل أدواتها المزعجة، بدءاً من الكهرباء وتطبيقاتها المتعددة. وبفضل الكهرباء، تدفقت بقية محركات الحياة المدنية. لم تعد هناك قرية بمواصفاتها الأصيلة. زرت منطقتي مؤخراً، وتنقلت بين القرى التي كانت تسكن ذاكرتي، لكنني لم أجد تلك القرية التي تحتل مكانة خاصة في مخيلتي، فقد تحولت كل قرية إلى مدينة صغيرة.. وتبدلت السلوكيات القروية لتصبح سلوكيات مدنية. وعندما ترسخ الإنترنت كجزء لا يتجزأ من حياتنا، ارتفعت الأصوات في بداية ظهوره بأن العالم أصبح قرية صغيرة، وهذا هو التعدي الأول على مفهوم القرية. ومع مرور الوقت، لم يتبق من القرية سوى صدرك، هذا إذا لم يتم الاستيلاء عليه أيضاً وتحويله إلى مساحة مشتركة للذكاء الاصطناعي. فإلى أين نلجأ هرباً من ذواتنا، وحفاظاً على سلامة أنفسنا؟ إلى أين المفر؟
في الماضي، إبان الثورة الصناعية، أحسّ الناس بتلك التغيرات الجذرية التي غزت الحياة الهادئة والبسيطة. اقترح علماء النفس والاجتماع الابتعاد عن مؤثرات تلك الثورة، وتبنى الأدباء والفنانون فكرة العودة إلى القرية كجزء من الهوية والانتماء إلى بيئة تحافظ على الصحة النفسية، وتعيد للإنسان طبيعته العفوية، وتنشر السكينة والطمأنينة في داخله الذي أزعجته مظاهر المدينة الصاخبة والصادمة في آن واحد.. كانت الدعوة إلى العودة إلى القرية اتجاهاً سائداً، وظلت القرى والأرياف الأوروبية، لسنوات طويلة، ملاذاً آمناً للباحثين عن الهدوء والاسترخاء، وتمسكت بعض القرى ببساطة أهلها بعيداً عن منتجات المدينة التي تجلب معها الإرهاق النفسي، وتزيد من وتيرة الحياة المتسارعة نحو تحقيق المتطلبات الأساسية التي تحولت بدورها إلى ضروريات ملحة.
ولكن الآن، في ظل صخب الحياة المعاصرة، هل لا يزال من المجدي إحياء الدعوة إلى العودة إلى القرية؟
إن مجرد طرح هذا السؤال يكشف عن تناقض جوهري، إذ لم تعد هناك قرية بالمعنى التقليدي، فقد غزت المدينة كل القرى، وجلبت معها كل أدواتها المزعجة، بدءاً من الكهرباء وتطبيقاتها المتعددة. وبفضل الكهرباء، تدفقت بقية محركات الحياة المدنية. لم تعد هناك قرية بمواصفاتها الأصيلة. زرت منطقتي مؤخراً، وتنقلت بين القرى التي كانت تسكن ذاكرتي، لكنني لم أجد تلك القرية التي تحتل مكانة خاصة في مخيلتي، فقد تحولت كل قرية إلى مدينة صغيرة.. وتبدلت السلوكيات القروية لتصبح سلوكيات مدنية. وعندما ترسخ الإنترنت كجزء لا يتجزأ من حياتنا، ارتفعت الأصوات في بداية ظهوره بأن العالم أصبح قرية صغيرة، وهذا هو التعدي الأول على مفهوم القرية. ومع مرور الوقت، لم يتبق من القرية سوى صدرك، هذا إذا لم يتم الاستيلاء عليه أيضاً وتحويله إلى مساحة مشتركة للذكاء الاصطناعي. فإلى أين نلجأ هرباً من ذواتنا، وحفاظاً على سلامة أنفسنا؟ إلى أين المفر؟